مقدمة
يعتقد كثير من السينمائيين أن أهم وظيفة للمخرج هي استخراج أداء جيد من ممثليه . وتعتمد هذه النظرية علي أن المتفرج يغفر أية أخطاء فنية إذا كان الأداء التمثيلي مقنعاً ومؤثراً . وفي المقابل فإن الجمال الفني في تكوين الكادر , والإضاءة , وحركة الكاميرا قد لا تعني شيئاً بالنسبة للمتفرج إذا كان الأداء ضعيفاً . لذلك يجب أن يحاول المخرج الناجح تعديل أسلوبه فيما يختص بالجانب التمثيلي ليتناسب مع أسلوب الممثل في العمل للوصول إلي أفضل النتائج .


أسلوب المخرج وأداء الممثل
في الأحوال المعتادة , يقوم المخرج بشرح رؤيته للشخصية التي سيقوم الممثل بتمثيلها ,تاركاً له فرصة الرجوع إلي مصادره الخاصة للوصول إلي الطريقة المناسبة في تجسيد الشخصية . بعد ذلك يعمل الاثنان معاً لتحسين الأداء . وإذا ظهر خلاف في الرؤية بين الممثل والمخرج , عندها يجب أن يتناقشا سوياً للوصول إلي رؤية واحدة . ومع ذلك فالقرار النهائي يعود إلي المخرج وحده .
وهناك ظروف يكون من المهم أن يفرض المخرج فيها أسلوباً في الأداء علي الممثل , فمثلاً عند التعامل مع ممثلين غير مدربين يتحول المخرج إلي معلم , ويكون عليه الانفصال عن أسلوبه الشخصي في التمثيل . وفي الحالات التي يجد فيها ممثل ذو خبرة مشكلة في الأداء , فسوف يكون في الأغلب مستعداً للاستماع إلي نصائح المخرج واقتراحاته .
وللحصول علي أفضل أداء للممثل يجب اختيار أفضل الطرق لتحفيزه علي تقديم كل ما لديه . ومن القواعد التي يجب مراعاتها توجيه الممثل بأسلوب يشجعه علي أن يكون إيجابياً ومطوراً لأدائه . ورغم ما قد يبدو في هذا من مبالغة , فإن اللغة التي يستخدمها المخرج في توجيه الممثل قد تغير كثيراً من النتائج التي يحصل عليها. وأول ما يجب تفاديه هو أن يطلب من الممثل بشكل مباشر تعبيراً معيناً , كأن يقال له مثلاً : حاول أن تبدو أكثر غضباً . هذا الشكل من التوجيه ربما يتسبب في أن يفتعل الممثل التعبير المطلوب . والأفضل أن يحاول المخرج تركيز توجيهاته علي الأسلوب الذي سيؤدي به الممثل , وليس علي النتيجة التي يريدها من الممثل . ويعني هذا استخدام أسلوب مختلف في مخاطبة الممثلين والتركيز علي ما يساعدهم فعلياً في عملية توليد المشاعر المطلوبة بداخلهم . فمثلاً إذا كان الموقف التمثيلي هو لزوج وزوجة يتشاجران , والزوج يسخر من زوجته . فبدلاً من إخبار الممثلة أنها يجب أن تغضب , يمكن تحفيزها بتحريضها علي جعله يتوقف عن السخرية منها , من خلال جمل مثل "لا تسمحي له بالسخرية منك" وترك اختيار الوسيلة لها . هذا الأسلوب يدفع الممثل للتفكير في تركيبة الشخصية التي يجسدها , ومحاولة استخراج هذه المشاعر من بين مفرداتها .وعند فشل كل الحلول الأخرى , يلجأ المخرجون إلي حلول جذرية للوصول إلي الأداء المطلوب , ولا تحظي هذه الحلول غالباً برضاء الممثلين , كاستفزاز الممثل علي المستوي الشخصي ليتمكن من الأداء الغاضب الذي يريده المخرج مثلاً .
لذلك لابد أن يتعامل المخرج مع الممثل بنفس حرصه علي التعامل مع العناصر البصرية , ويتطلب هذا بالطبع فهماً جيداً لطبيعة الحرفة . ورغم تنوع مشارب الممثلين , فإن جميعهم يستخدم واحدة من طرق أداء ثلاث .

مذاهب الأداء التمثيلي
هناك ثلاثة مدارس رئيسية في التمثيل . الأولي هي المدرسة الكلاسيكية , والتي يطلق عليها أحياناً المدرسة الفرنسية , أو القديمة . وتعتمد هذه المدرسة بشكل مطلق علي قدرات الممثل الذي يقرر بنفسه الطريقة المناسبة في الأداء والتي تتطابق مع السلوك المتوقع من الشخصية , ولا تعترف بأي دافع ,أو محرك من خارج المشهد . ومن هذه المدرسة الممثل الإنجليزي العالمي لورانس أوليفييه .
وعلي طرف النقيض من هذه الطريقة , نجد المدرسة الأسلوبية في الأداء, ويعتمد فيها الممثل علي نفسه كمصدر أساسي , أكثر من السيناريو ذاته . فبدلاً من "تقليد" الشخصية الخيالية الموجودة في السيناريو , يقوم الممثل بالبحث عن مشاعر مشابهة داخله , ثم التصرف (التمثيل) علي أساسها ليتحول هو نفسه إلي الشخصية . ومن أنصار هذه الطريقة مارلون براندو , آل ينو .
وهناك واقعة شهيرة توضح الفارق بين هاتين المدرستين في الأداء . فأثناء تصوير فيلم "العداء" The Marathon Man كان الممثل داستين هوفمان الذي يضطلع بدور البطولة , والذي ينتمي إلي المدرسة الأسلوبية في الأداء , يقوم بممارسة بعض الطقوس التي تساعده علي الدخول إلي الشخصية . وفي أثناء تصوير أحد المشاهد كان هوفمان يجري حول موقع التصوير قبل كل لقطة , وكان الممثل لورانس أوليفييه الذي يشترك معه في البطولة يراقب ما يحدث , وفجأة وجه حديثه إلي هوفمان قائلاً "هل جربت أن تمثل يا بني بدلاً من هذا الذي تفعله؟ " .
هذه الحكاية الطريفة تجرنا إلي بعض التحفظات حول المدرسة الأسلوبية , فهناك بعض النقاد الذين يرون أن هذا الأسلوب يأخذ الممثل بعيداً عن الموضوع الأصلي , وتضفي نزعة عاطفية أكثر مما ينبغي علي أداء الممثل . ولهذا ظهرت طريقة ثالثة تتوسط الطريق بين المدرستين , وتعتمد علي الأسلوبية أيضاً , ولكن بتوسيع مفهومها لخلق نوع من التوازن .
وقد اتبع المخرجون نفس خط التطور بالنسبة للمدارس التمثيلية , فبينما نجد مخرجون كلاسيكيون مثل هيتشكوك لا يعتقدون في الدافع الداخلي المحرك للممثل , نجد مخرجين آخرين مثل إليا كازان , وجون كازافيتيس يعتنقون المدرسة الأسلوبية . أما الأجيال الأحدث من أمثال سبيلبرج فتستخدم أسلوباً يوازن بين الممثل واحتياجات السيناريو .

الأداء التلقائي
يعد قسطنطين ستانسلافسكي أبو الأداء التمثيلي الحديث , وتعتمد نظريته في التمثيل علي فكرة أن الممثل الناجح يقوم بعمل الفعل المطلوب منه بشكل تلقائي , ولا يتظاهر بأنه يقوم بعمله . وبمعني آخر , فإن الممثل الجيد يتصرف علي نحو غريزي أثناء الأداء , كما لو أنه يقوم به للمرة الأولي .
وقد كانت نظرية ستانسلافسكي محل اهتمام وترحيب واسعين , لأنها فتحت أفقاً رحباً أمام الممثلين للبحث عن محفزات للأداء خارج حدود المشهد المكتوب (أي داخلهم هم أنفسهم) .
وقد اكتشف ستانسلافسكي في مرحلة مبكرة من أبحاثه حول التمثيل أن الممثلين ابتكروا مجموعة من الإيماءات, والحركات لأغراض مسرحية , وقد مارس هو نفسه هذه الطريقة في الأداء , لكنه سرعان ما تحرر منها بعد أن اكتشف نتائجها المتكلفة . ثم أدرك فيما بعد أن أية إيماءة يجب أن تكون صادرة عن إحساس حقيقي لتبدو تلقائية . وبمعني آخر يجب أن يقوم الممثل بالحركة لأنه مضطر للقيام بها , ولا يملك سوي هذا , وليس لأنها تعجب المتفرجين .
وقد أطلق علي هذا الأسلوب "الأداء التلقائي" , ورغم ما تنطوي عليه التسمية من تعارض ظاهري , حيث تعتمد الفنون - وخاصة المسرح والسينما - بالأساس علي الخيال , إلا أن الشيء الحقيقي الذي قصده ستانسلافسكي هو مشاعر الممثل , وذكرياته وقدراته الإبداعية , فالحوار الذي يلقيه الممثل يتحول إلي ترجمة لمشاعر داخلية يحسها بالفعل . ويعطي هذا الفرصة للممثل من ناحية أخري لبناء شخصية متكاملة , بدلاً من أن يقتصر دوره علي مجرد الأداء العادي للحوار .
يعد الانطلاق من المشاعر الداخلية الصادقة هو أساس أسلوب ستانسلافسكي . وتعد هذه الفكرة هي الخط العريض الذي يرتكز عليه هذا الأسلوب , والذي تطور فيما بعد مع معلم التمثيل الشهير لي ستراسبرج .
تدريب الممثل :
في منهج ستانسلافسكي اعتمد تدريب الممثل علي :
- الاسترخاء : إذا كان أداء الممثل يعتمد أساساً علي إحساسه الداخلي , وتفاعله مع الممثلين الآخرين , فيجب أن يكون هذا الممثل حساساً في استجابته لما يجري حوله . وقد لاحظ ستانسلافسكي أن التوتر الجسدي والذهني يؤثر علي هذه الحساسية .
ولتوضيح مدي تأثير الإجهاد البدني والذهني علي الحساسية والقدرة علي الاستجابة , حاول أن تسترجع بعض ذكريات الطفولة وأنت تقوم برفع ثقل ما . عندها سوف تجد هذا في منتهي الصعوبة لأن طاقتك ستكون مشتتة في أكثر من جهة . كما أن التفكير لن يكون الشيء الوحيد الصعب في هذه الحالة , فالكلام نفسه يصبح صعباً . هذا المثال يوضح تماماً كيف يمكن أن يؤثر الإجهاد البدني علي استجابة الجسد والمخ.
لذا فأول خطوة في العملية التمثيلية سواء كان في مرحلة التدريب , أو الأداء هي الاسترخاء . ويشبه ستراسبرج عملية الاسترخاء بعملية ضبط الآلة الموسيقية قبل العزف عليها . فمن المعروف أن الآلة لن تصدر الأصوات المطلوبة إذا لم تضبط , بصرف النظر عن مهارة العازف . وغالباً ما يحاول الممثلون تقليل التوتر من خلال تمارين الاسترخاء التي ينفذونها مع كل جزء من أجزاء الجسم علي حدة .
- التركيز : يجعل الاسترخاء الممثل مستعداً للتركيز , الذي يعد همه الأساسي . وتتضمن هذه المرحلة التركيز علي موضوع بعينه أو مشكله محددة يختارها الممثل بنفسه . ويخدم هذا عدة أغراض : أولاً ,يعزل الممثل عن التشويش الخارجي . ثانياً , يحرر العقل ليتمكن من خلق الحقيقة المتخيلة المطلوبة لأداء المشهد . ثالثاً ,يعلم الممثل التركيز علي الحدث الذي يقع في اللحظة التي يؤدي فيها , بما يسهم في تفعيل خدعة التمثيل التلقائي .
كذا تمرن تدريبات التركيز الممثل علي إعادة خلق موقف أو موضوع , مصحوباً بخبراته النفسية والحسية . فمثلاً إذا قرر ممثل أن يتدرب علي التركيز علي فنجان من القهوة , فبعد أن يستعمل فنجان حقيقي من القهوة , يحاول أن يستعيد هذه الخبرة , بدءاً من وزن الفنجان , وملمسه , وانتهاءاً بالسخونة التي يسببها هذا الفنجان الخيالي . ويعد هذا تدريباً علي إعمال ذاكرة الحواس , ويدفع الممثل إلي التركيز علي موضوع محدد من زاوية معينة . وهناك تدريبات أخري لذاكرة الحواس تتضمن استعادة لحظة إنسانية شخصية , و التصرف بطريقة حيوانية غريزية , وهذا التمرين الأخير يفيد في إزالة كثير من العوائق والمرشحات التي تمنع التصرف بشكل تلقائي في الحياة اليومية , ومن باب أولي في الأداء التمثيلي .
- التلقائية : تبدو الشخصيات الواقعية, وكأنها تعيش حياة داخلية متصلة من المشاعر والأحاسيس والأفكار,التي تكمن خلف جمل الحوار. ويخلق هذا إحساساً بأن تصرفات هذه الشخصيات تلقائية. ولكن عندما يفكر الممثل في الحركة التالية التي سوف يقوم بها يحدث خلل في انسياب الأداء, لذا يجب أن يعتمد الممثل علي المشاعر أكثر من العقل حتى تكون النتيجة طبيعية, وتكون العملية التمثيلية هنا أسهل حيث لا تكون هناك حاجة للتفكير في الحركة القادمة التي سوف يقوم بها الممثل بشكل تلقائي .
وهناك العديد من التمارين التي تساعد الممثل علي التخلص من التفكير الواعي , والأداء بتلقائية أكثر . فمثلاً من الممكن أن يتبادل ممثلان جملاً حوارية تافهة مراراً حتى تفقد هذه الجمل معناها تماماً , أو أن يتحاور أحد الطرفين مع الآخر مستبدلاً الكلمات بأصوات غير مفهومة , ويكون علي الممثل الآخر أن يبحث عن سبب يجعله يقوم برد فعل علي ما ينطق به زميله دون انتظار لمفتاح الحوار المعتاد .
ومن أفضل التمارين أيضاً لتنمية التلقائية , أن يقوم الممثل بارتجال مشهد . وحيث أنه لا يوجد سيناريو مكتوب , فسوف يختلق الممثل سلسلة من ردود الأفعال التي تساعد علي تعزيز الجانب التلقائي في أداءه .
- التوقيت : مر ستانسلافسكي بتجربة في مقتبل حياته التمثيلية استطاع أن يستفيد منها كثيراً , فقد قام بالتمثيل في أحد المسرحيات , وأحس بعد أداء دوره أن الجمهور كان مفتوناً به , ثم اكتشف أن الحقيقة مختلفة تماماً عن هذا , لأنه أسرف دون أن يدري في استخدام الإيماءات وخلطها بالجمل المكتوبة بشكل افتقد إلي تنظيم ردود الأفعال . والمفترض أن يعمل الممثل لحظة بلحظة , وينظم انفعالاته حسب الموقف الذي يمر به في هذه اللحظة , تماماً مثل الموسيقي الذي يلتزم بالنوتة , ويعزف كل نغمة في اللحظة المناسبة فقط . ولكن في نفس الوقت لا يجب أن يحدث هذا التغيير في الإحساس بشكل واعي , وإنما كنتيجة لاستغراق الممثل في الحالة الشعورية للشخصية بالشكل الصحيح .
- التحضير : يجب أن يمر الممثل بمرحلة التحضير قبل أن يبدأ تمثيل المشهد , وهدفها أن يدخل الممثل إلي المشهد, وهو في الحالة الشعورية المطلوبة , وبالدرجة المضبوطة .ولا يستغرق تحضير الممثل سوي الفترة اللازمة ليبدأ في التمثيل , ولا يجب أن يطول لأكثر من ذلك , ثم يبدأ تفاعل الممثلين معاً .
ففي الحياة اليومية تؤثر الخبرة السيئة أو الحسنة علي مزاج الإنسان وسلوكه , وتحضير الممثل أمر مشابه أيضاً , ولكن الخبرة تنبع , أو يتم استدعائها من داخل الممثل . ويتم أحياناً تشبيه هذه العملية بأحلام اليقظة , حيث أن الممثل ينتقل خلالها من عالم لآخر , ومن حالة شعورية لحالة أخري مختلفة , وربما متناقضة . وتعتبر هذه المرحلة أصعب مراحل التمثيل بوجه عام .
وهناك أسلوبين لتحضير الممثل لأداء مشهد ,يمكن الاستعانة بأي منهما للوصول إلي النتيجة المرجوة :
1- الذاكرة الانفعالية : يعتبر ستانسلافسكي رائد استخدام الذاكرة الانفعالية في تحضير الممثل , وقد اعتمد في هذا علي استدعاء الخبرات السابقة المشابهة للموقف الذي يعبر عنه المشهد . فمثلاً إذا كان الموقف في المشهد يستدعي الخجل , يحاول الممثل استدعاء موقف من حياته شعر فيه بالخجل , قبل أن يبدأ في التمثيل , ثم يدخل الممثل في المشهد وهو يحمل هذه الشحنة الشعورية. لكن هذه الطريقة قد تكون غير مجدية في بعض الأحيان , إذا كان الممثل يفتقد للخبرة المماثلة في حياته , كما أن هذه الخبرات تستخدم لعدد محدود من المرات قبل أن تفقد تأثيرها . وقد أثارت هذه الطريقة الكثير من المناقشات حول مدي كفاءتها .
2- الافتراضية : يقال أن الممثل وصل إلي مرحلة الصدق عندما يعتقد في الحقيقة التي يفترضها المشهد . لأن هذا الصدق هو الجسر الذي يربط بين الممثل ,والشخصية التي يقوم بأدائها . ولمساعدة الممثل علي الوصول إلي حالة الصدق هذه , طور ستانسلافسكي أسلوباً سمي "الافتراضية" ويعتمد علي أن يتصرف الممثل كما لو كان شيئاً ما يحدث فعلاً.
فمثلاً إذا كان من المفترض أن يدخل الممثل إلي حجرة وهو في حالة فزع , فيمكن أن يتخيل أنه يدخل إلي مكان تحيطه كائنات مفترسة من كل جانب . ويرتكن هذا بالأساس علي قدرة الممثل علي استخدام خياله .
وتتمثل فوائد البروفات في أنها تكرار لعملية التحضير لتصبح المشاعر قريبة من الممثل حتى يتمكن من استعادتها قبل أداء المشهد بسهولة وبسرعة . أما إذا توقفت الوسيلة المستخدمة لتحضير الممثل عن عمل مفعولها , فيجب أن يتم تغييرها فوراً .
هناك مواصفات أساسية لعملية تحضير الممثل يجب الحفاظ عليها , وهي :
1- البساطة : الهدف من عملية تحضير الممثل هو استدعاء المشاعر . ويجب الحفاظ علي هذه العملية في أبسط صورة , وإلا فسوف تتحول من عملية ل ذاكرة المشاعر, إلي عملية عقلية. ويمكن أن تتم عملية ال هذه من خلال استدعاء ذكري , أو أغنية , أو أي شيء يستطيع توليد المشاعر المطلوبة لدي الممثل .
2- الخصوصية - لابد أن تكون الأمور التي يجري من خلالها استدعاء خبرات الممثل السابقة خاصة جداً به , ويمكن استخدام نفس المؤثر ما دام فاعلاً في تحفيز الممثل .
3-الدقة - يجب أن تتطابق المشاعر التي يتم استخراجها من الممثل ,مع المشاعر التي ينبغي أن يؤديها في المشهد . ولا يجد الممثل غالباً مشكلة في استدعاء مشاعره , لكن كثيراً ما تكون هناك مشكلة في استدعاء المشاعر المطلوبة بالضبط .
4- العمق - رغم أن عملية التحضير يجب أن تتسم بالبساطة ,إلا أنه لا يجب أبداً أن تكون سطحية . أي أنه يجب الوصول إلي عمق المشاعر المطلوبة , لا الاكتفاء بالمستوي الظاهر منها , وإلا فلن تكون مؤثرة بأي حال .
حفظ الحوار :
قبل أن يحفظ الممثل الحوار الخاص به , يجب أن يعرف جيداً طبيعة المشاعر التي تحسها الشخصية , وتجعلها تنطق بهذا الحوار . ويقول خبراء التمثيل أن الحوار ينساب مع مشاعر الشخصية كما ينساب قارب في نهر , لذا فلا يجب أن يشرع الممثل في حفظ الحوار قبل أن يصل إلي هذه المشاعر, التي تساعده كثيراً علي الأداء بالشكل السليم . وخلال هذه العملية يكتشف الممثل العناصر الداخلية, والخارجية في تكوين الشخصية , فالجزء الخارجي هو كيف تقدم الشخصية نفسها إلي الآخرين , أما الجزء الداخلي فهو حقيقة الشخصية ,ودوافعها الفعلية التي تحركها , والتي ربما لا تنطق بها مطلقاً ,ولا يعرفها أحد علي الإطلاق .
لابد إذن أن يجسد الممثل الشخصيات من الداخل قبل الخارج , ويكمن سر فهم الشخصية من الداخل في ما وراء نص السيناريو , وما وراء سطور الحوار التي تنطق بها الشخصية . أما إذا كان السيناريو يفتقد هذا المستوي الأبعد , فيجب أن يحاول الممثل أن يخلق هذا المستوي بنفسه عن طريق التفكير فيما وراء كل جملة , أو فعل تقوم به الشخصية , ودافعها تجاهه .
يجب أن تتم عملية الحفظ بشكل متكامل مع الأداء , فعن طريق التدريبات المتواصلة والبروفات , يتم الربط بين الأداء والمشاعر , حتى يستدعي كل منهما الآخر بشكل تلقائي .

اختيار الممثل
تهدف عملية اختيار الممثل إلي تحديد أي الممثلين يناسب أكثر الأدوار المتاحة , وتجري هذه العملية خلال مجموعة من التصفيات , وتقل أعداد المرشحين للدور بعد كل تصفية .
في الأحوال المثالية يتم تنظيم هذه الترشيحات ,وإجراء الاختبارات اللازمة بواسطة مخرج متخصص . وقد يعقد مخرج الفيلم جلسة نهائية معه للاستقرار علي الاختيار النهائي , كما أنه يمكنه حضور بعض جلسات الاختيار أو كلها .
ومن المفيد أن يتم تسجيل جلسات الاختيار في مختلف مراحلها بالفيديو , فهذا يساعد في عملية الاختيار النهائي , ويبين كيفية ظهور الممثل علي الشاشة .
معايير الاختيار : من الممكن أن يبدو الممثل رائعاً في أحد الأدوار , ثم يبدو هو نفسه غير مقنع في دور آخر , ويتوقف هذا علي عوامل كثيرة منها شخصية الممثل , وملامحه الخارجية . بالإضافة إلي هذا يجب أن يوضع في الحسبان ما يمكن أن يضيفه الممثل إلي الدور . وكثيراً ما يتم اختيار الممثل علي أساس صفة يراها المخرج فيه تتماشي مع الشخصية , ولكن هذه الطريقة تضيع فرصاً كثيرة لاكتشاف الجديد عند الممثل نفسه , أو عند ممثل آخر.
أما أسوأ أسلوب في انتقاء الممثلين , فهو الاعتماد علي الشكل , أو المظهر الخارجي فقط . فرغم أن الشكل يكون أحياناً عاملاً هاماً , إلا أنه غالباً ما يكون مكملاً , إذا اختير ممثل يجيد التعامل مع الشخصية من الداخل . وحتى سن الممثل يكون مرناً في أحيان كثيرة , وفور أن يتم الانتقاء علي أساس عوامل الشكل والسن , تبقي الكلمة الفاصلة للأداء التمثيلي وحده .
القراءة الأولية للحوار :الخطوة الأولي في اختبار الممثل هي القراءة الأولية للحوار , حيث يطلب من الممثل قراءة نص الحوار الخاص بالدور المرشح له, أو أي نص يتشابه معه . والهدف من هذا الاختبار ,هو تقييم الطريقة التي يعالج بها الممثل الشخصية ويبعث فيها الحياة, ليحولها من كلام علي الورق إلي لحم ودم .
المونولوج :إذا كانت نتيجة القراءة الأولية إيجابية , من المفيد أن يتم تجربة إلقاء مونولوج , مما يعطي مؤشراً علي قدرات الممثل التعبيرية . وعادة ما يترك اختيار المونولوج للممثل . وهناك بعض المخرجين الذين يفضلون أن يبدأ الممثل بالمونولوج , كنوع من الاستعداد لقراءة الحوار الأولية .
الانطباع الأول :هناك أمثلة كثيرة تتوافق فيها الشخصية التي يؤديها الممثل مع شخصيته في الواقع . ورغم تعرض هذه الفكرة للكثير من الجدل حول جدواها , فإنها تتماشي مع نظرية ستانسلافسكي التي تفترض أن الممثل يعتمد علي مشاعره الداخلية في خلق الشخصية . لذلك يمكن عقد مقابلة قصيرة مع الممثل , وتدوين الانطباع الأول للاستفادة به في عملية الاختيار النهائي .
التصفية والقرار الأخير : نادراً ما يتفوق ممثل في الاختبارات بوضوح علي أقرانه من المرشحين , وغالباً ما تكون الفروق طفيفة بين مجموعة من الممثلين . في هذه المرحلة من المناسب أن تكون المفاضلة من خلال قراءة الحوار المكتوب للشخصية , حيث يتضح الفرق في هذه المرحلة النهائية من الاختيار من خلال رؤية كل ممثل للشخصية وانعكاس هذا علي أداءه . كما يمكن أيضاً قياس مدي استجابته لتوجيهات المخرج .
قبل الاستقرار علي الاختيار النهائي, يجب وضع كل الاختيارات جنباً إلي جنب للتأكد من مدي توافق كل ممثل مع الآخر . كما يجب أن تتضمن المراحل النهائية من الاختيار جلسات مطولة مع الممثل للتعرف علي شخصيته بصورة أكثر دقة , والتأكد من أخلاقياته المهنية , ومدي التزامه , وحماسه للسيناريو , وقدرته علي العمل الجماعي .
توجيه الممثل في موقع التصوير
يختلف التصوير كثيراً عن البروفات لأسباب عملية كثيرة, منها الإضاءة, وحركة الممثل والكاميرا, مما يجعل خبرة التمثيل ذاتها تختلف كثيراً عن التدريب. فعلي سبيل المثال, من الممكن أن تعوق حركة الممثل مكونات الموقع من أثاث, و ديكور ثابت, ... الخ. ومما يزيد الأمر صعوبة أن هناك مشاهد يتم تصويرها بدون إجراء بروفات, لذلك علي المخرج أن يكون مستعداًلتقديم المساعدة للممثل حتى يتمكن من مواجهة هذه المشكلات .القيادة : من أوليات العمل في موقع التصوير بالنسبة للمخرج أن يكون قائداً مقنعاً لكل العاملين من الممثلين أو سواهم , فهذا يزيل التوتر , ويبعث الثقة بين العاملين في الفيلم . وتتطلب القيادة السليمة , حسن التواصل مع العاملين بالفيلم , والقدرة علي استخراج قدراتهم الإبداعية , وتشجيعهم علي بذل أقصي مجهود . ويتضمن التواصل إعلام العاملين بأية تغييرات قد تطرأ علي جداول التصوير أولاً بأول. فمن أسوأ ما يمكن أن يواجه الممثل تحديداً ألا يعرف بالضبط ماذا يجري حوله . من المسموح في موقع التصوير استخدام كل أساليب تحفيز الممثل التي تستخدم في البروفات , مع ملاحظة أن الوقت في موقع التصوير يساوي الكثير من المال , لذلك يجب حل أية مشكلة بأقصى سرعة ممكنة , ويفضل أن يتم التخاطب بوضوح وبأسلوب مباشر بين طاقم الفيلم .التحكم في الأداء :هناك العديد من اللقطات التي لا تتطلب التحضير قبلها , لأنها لا تحتوي مشاعر يفترض من الممثل أن يعبر عنها , مثل لقطة يرفع فيها سماعة التليفون , أو يغلق باب الغرفة بشكل روتيني , ومن الأفضل أن يتم اختصار الوقت بتصويرها مباشرة . - أسلوب الإلقاء : وكما ذكرنا من قبل , يجب أن يقوم الممثل بالأداء من خلال شخصية متكاملة يخلقها داخله , لكن في بعض الأحيان يكون هناك أكثر من طريقة لإلقاء الحوار . فمثلاً إذا كان الكلام لشخص غاضب , عندها يمكن أن ينطقه الممثل بسرعة كبيرة للتعبير عن ثورته , أو يضغط علي أسنانه وهو ينطق ببطء . ومن المحتمل أن يقرر المخرج أن علي الممثل أدائها بأسلوب معين , بينما يري الممثل العكس , وفي هذه الحالات يفضل أن يستمع المخرج للممثل بعقل متفتح , لأن النتيجة ربما تكون جيدة بشكل لا يتوقعه المخرج . وإذا لم يكن الأمر كذلك , من المكن أن يقترح المخرج علي الممثل تجريب طريقة أخري في الأداء , وسوف يستجيب له , لأن رغبة الممثل في الإجادة هي دافعه الأول .-الإيماءات : من الممكن أن تكون إيماءة أو لمحة بسيطة من ممثل علي درجة كبيرة من الأهمية والقدرة علي الإضافة إلي المعني , وغالباً ما تكون هذه الفكرة وليدة اللحظة , لذلك يجب أن يحاول المخرج التحكم في هذه التفاصيل المؤثرة , حتى تظل في إطار الشخصية ,ولا تبدو مصطنعة في الوقت نفسه .- السكتات :أحياناً يكون سكوت الممثل في نفس أهمية الكلام , بل وربما أكثر توصيلاً للمعني . ويدفع الصمت المتفرج إلي إعمال عقله لتخمين مشاعر الشخصية في لحظات سكوته .- الإيقاع :كما قلنا , فإن إيقاع أداء الممثل لا يخضع لخطط محددة , وإنما تحكمه المشاعر التي تحكم الشخصية نفسها في أي من المواقف التي تمر بها . وكثيراً ما يحدث أن يؤثر الضغط العصبي علي أداء الممثل , ويتسبب في الإسراع , أو الإبطاء بالإيقاع دون مبرر. وينعكس هذا بالتأكيد علي باقي الممثلين. ولابد أن يراقب المخرج هذه الظاهرة في المرات الأولي التي يقف فيها الممثل أمام الكاميرا, وعند اللقطات الأولي للممثلين معاً. ولهذا السبب يفضل بعض المخرجين أن يبدءوا بمشاهد لا تحتوي علي انفعالات قوية . - تتابع الأداء : من المعروف أن التصوير عادة لا يلتزم بترتيب المشاهد الموجودة في السيناريو , ثم يتم ترتيبها خلال المونتاج ,ولكي يبدو القطع منطقياً , فلابد أن يكون هناك تتابع في الحركة والإضاءة يضمن انسياب اللقطات أمام عين المتفرج . ويمكن أن نقول نفس الشيء عن الأداء التمثيلي , فمن المهم أن يحافظ الممثل علي إحساسه في نفس الاتجاه , وبنفس الدرجة . كما يجب الانتباه لتوافق الحوار مع حركة الممثل من لقطة لأخرى . وأي خلل في هذا التتابع كفيل بأن يسبب مشكلة للمونتير عند القطع. ولتسهيل تدفق الأداء بصورة طبيعية , يفضل أن يحافظ المخرج علي تقطيع اللقطات بشكل يتناسب مع تقطيع جمل الحوار كما اتفق عليها مع الممثل . ولتوضيح الفكرة، لنفترض أن المونتير لديه لقطتين, إحداهما للممثل جالساً وهو ينطق بنصف الجملة الأول, والثانية له واقفاً وهو ينطق بالنصف الثاني , عندها سيصبح من الصعب أن تتطابق اللقطتان . وحتى لو حاول المونتير معالجة هذه المشكلة , فلن تكون النتائج مرضية لذا يتحمل المخرج مع الممثل مسئولية تتابع الأداء.مشاكل الممثل : رغم أن الكلمة الأخيرة في الأداء تعود للمخرج , إلا أنه كثيراً ما يقاوم الممثل سيطرة المخرج عليه. وإذا كان الأغلب أن يتم حل هذه الخلافات في وجهات النظر من خلال المناقشة , فمن المحتمل أيضاً ألا تحل بسهولة . وتتراوح المشاكل التي يمكن أن يواجهها المخرج مع ممثليه من الخوف أو الرهبة التي قد تعتري الممثل, إلي محاولات قد تحدث من جانب الممثل للسيطرة علي موقع التصوير .- الخوف : يرجع خوف الممثل من تعديل أداءه غالباً, إلي شعوره بعدم الثقة في قدرته علي أداء المطلوب, أو قلقه من اختلال فهمه للشخصية ,إذا كان يري أن المطلوب يتعارض معها . ويجب علي المخرج التعامل مع هذا الموقف بصبر وحرص شديدين , والعمل علي بناء جسر ثقة بينه وبين الممثل , لتشجيعه علي الأداء المطلوب .الرغبة في السيطرة :من الصعب التعامل مع الممثل الذي يرغب في فرض سيطرته علي موقع التصوير , ولابد من التعاملمعه بحكمة حتى لا يؤثر سلباً علي باقي مجموعة العمل التي ربما يفقد أفرادها إيمانهم بالعمل كله إذا تفاقمت الخلافات , لذا يجب أن يتعامل المخرج بهدوء وحزم مع الموقف . وعموماً يجب أن يتعامل المخرج مع مشاكل الممثل مفترضاً أنه شخصياً ربما يكون متسبباً في أحد هذه المشاكل دون أن يدري . كما يجب أن يظهر المخرج احترامه للممثل أثناء التصوير , لأن هذا في حد ذاته قد يؤدي إلي تفادي مشاكل عديدة . في نفس الوقت لابد أن يتفهم المخرج أن المشاكل التي تبدو له بسيطة أو حتى تافهة , ربما تبدو للممثل كبيرة ومهمة . كما أن تراكم المشاكل دون حلها أولاً بأول يؤثر علي معنويات الممثل , وبالتالي علي أداءه . وكلما حرص المخرج علي فتح قنوات الاتصال والتفاهم مع أعضاء فريق التمثيل , كلما انعكس هذا بدون شك علي الناتج النهائي للعمل بأكمله .